الخميس، 26 مايو 2016

نسب الدولة العبيدية وابن خلدون

نسب الدولة العبيدية وابن خلدون


يلاحظ المتتبع لما ينشر حول الدولة الفاطمية -كجزء من مشروع شيعي قام- من مقالات ومشاركات في المنتديات الواسعة الانتشار وبكثافة ووتيرة تتزايد باطِّراد.

ربما ما يلفت الانتباه أكثر هو المقالات والدراسات لأنها تنجز من طرف رموز لها دلالتها ووقعها على نفوس القراء المحدودي الثقافة ثم أسلوبها الحداثي والمنطقي -كما يوحون لقرائهم- ومن بين هذه الكتابات إعادة إحياء النقاش بله التأكيد على صحة نسب الدولة العبيدية القائمة في كتامة المغرب ثم مصر بعدها. ويتم طرح الموضوع من زاوية جديدة بطرح فكرة تجديد كتابة التاريخ واستبعاد القراءة الغائية ثم فصل الاديولوجيا التي ظلمت -الشيعة- من طرف أهل السنة كما يروجون.



ورغم ممارسة هؤلاء الكتاب نفس الدور باختيارهم في إثبات النسب المصادر الشيعية مما يخرج كتاباتهم من دائرة الموضوعية ويدخلها في إطار غائية من نوع آخر. في محاولة طرح الموضوع للنقاش باعتماد مقولة الشيعة ومراجعهم -ونفرض جدلاً أن المصادر السنية قد ظلمتهم فعلاً- ونأخذ أقرب المصادر إلى تأكيد نظريتهم وهو عبد الرحمن بن خلدون في كتابه "العبر" والمقدمة أيضًا. حتى إن متأخري كُتَّابهم معجبون به.

قال السخاوي في "الضوء اللامع" عن المقريزي صاحب "الخطط": "...والعجب أن صاحبنا المقريزي كان يفرط في تعظيم ابن خلدون لكونه كان يجزم بصحة نسب بني عبيد الذين كانوا خلفاء بمصر وشهروا بالفاطميين إلى علي ويخالف غيره في ذلك ويدفع ما نقل عن الأئمة من الطعن في نسبهم ويقول إنما كتبوا ذلك المحضر مراعاة للخليفة العباسي وكان صاحبنا ينتمي إلى الفاطميين فأحب ابن خلدون لكونه أثبت نسبهم وغفل عن مراد ابن خلدون فإنه كان لانحرافه عن آل علي يثبت نسب الفاطميين إليهم لما اشتهر من سوء معتقد الفاطميين وكون بعضهم نسب إلى الزندقة وادعى الألوهية كالحاكم وبعضهم في الغاية من التعصب لمذهب الرفض حتى قتل في زمانهم جمع من أهل السنة وكان يصرح بسب الصحابة في جوامعهم ومجامعهم فإذا كانوا بهذه المثابة وصح أنهم من آل علي حقيقة التصق بآل علي العيب وكان ذلك من أسباب النفرة عنهم...".

وقد قالوا بان الشيخ السخاوي يقف الرأي المضاد- في ابن خلدون- ولا يخلو موقفه من غاية. ونذهب في تأكيد بطلان نسب عبيد الله المهدي -العبيديين- من كتابات ابن خلدون نفسه بحيث نستغني عن كل المراجع -التي تثبت وتلك التي تنفي- ونقف موقفًا محايدًا بل نجعل ابن خلدون مقياسًا حيث يعده الشيعة منصفًا في هذه القضية وينقلون عنه فماذا يقول ابن خلدون؟

‏"...وأول الأئمة المستورين عندهم :محمد بن إسماعيل وهو محمد المكتوم ثم ابنه جعفر المصدق ثم ابنه محمد الحبيب ثم ابنه عبيد الله المهدي صاحب الدولة بأفريقية والمغرب التي قام بها أبو عبد الله الشيعي بكتامة ..." وهذا نسب المهدي ذكره بهذا السياق أكثر من مرة، وينسبه مثلا في موضع آخر فيقول "...المهدي محمد بن جعفر بن محمد بن إسماعيل الإمام بن جعفر الصادق..." أما في معرض رده على من أنكر نسب المهدي فيقول:

"...لا عبرة بمن أنكر هذا النسب من أهل القيروان وغيرهم بالمحضر الذي ثبت بغداد أيام القادر، بالطعن في نسبهم وشهد فيه أعلام الأئمة... وقد كان نسبهم ببغداد منكرًا عند أعدائهم شيعة بني العباس منذ مئة سنة فتلوّن الناس بمذهب أهل الدولة... مع أن طبيعة الوجود في الانقياد إليهم وظهور كلمتهم حتى في مكة والمدينة أول شيء يدل على صحة نسبهم، وأما من يجعل نسبهم في اليهودية والنصرانية لميمون القدح فكفاه ذلك إثمًا وسفسفة...". الا ان ابن خلدون قد وضع قانوانا -بغض النظر عن صلاحيته- يقول فيه: "... فاعتبره واتخذ منه قانونًا يصحح لك عدد الآباء في عمود النسب الذي تريده من قبل معرفة السنين الماضية إذا كنت قد استربت في عددهم وكانت السنون الماضية منذ أولهم محصلة لديك فعد لكل مائة من السنين ثلاثة من الآباء فإن نفدت على هذا القياس مع نفود عددهم فهو صحيح وإن نقصت عنه بجيل فقد غلط عددهم بزيادة واحد في عمود النسب وإن زادت بمثله فقد سقط واحد‏، وكذلك تأخذ عدد السنين من عددهم إذا كان محصلاً لديك فتأمله تجده في الغالب صحيحاً‏.‏..".

وبغض النظر أيضًا عن أخطاء ابن خلدون الأخرى خاصة في إبطال نسب بني زيان -لسنا بصدد تأكيده أو نفيه- يقول: "...وكذلك ما يدعيه أبناء زيان ملوك تلمسان من بني عبد الواحد أنهم من ولد القاسم بن إدريس ذهابًا إلى ما اشتهر في نسبهم أنهم من ولد القاسم فيقولون بلسانهم "الزناتي أيت القاسم"؛ أي بنو القاسم، ثم يدعون أن القاسم هذا هو القاسم بن إدريس أو القاسم بن محمد بن إدريس‏. ‏ ولو كان ذلك صحيحًا فغاية القاسم هذا أنه فر من مكان سلطانه مستجيرًا بهم فكيف تتم له الرياسة عليهم في باديتهم وإنما هو غلط من قبل اسم القاسم فإنه كثير الوجود في الأدارسة فتوهموا أن قاسمهم من ذلك النسب وهم غير محتاجين لذلك فإن منالهم للملك والعزة إنما كان بعصبيتهم ولم يكن بادعاء علوية ولا عباسية ولا شيء من الأنساب‏...".

ونرد عليه بما أورده في تاريخه الطويل خاصة الجزء السابع بأن الذي تولى ليس القاسم الذي فر بعد سقوط دولة الأدارسة سواء سنة تاريخ الفرار الأول 319 أو سنة 367 بعد سقوطها النهائي. إنما تملكوا خلال القرن السابع وقصتهم أوردها بالتفصيل في الجزء السابع فليراجع هناك.

ثم حتى لو صح ما ذهب إليه ابن خلدون بأن العصبية تمنع فكيف يكون إدريس أميرًا على أوروبة البربرية أو كيف سمحوا له ثم بايعوا وانتظروا ابنه وهو في بطن أمه إحدى عَشْرَة سنة بدون تنصيب أمير يقوم بشؤونهم . أين كانت عصبيتهم؟ هذا من جهة ومن جهة أخرى كيف تقبل كتامة -وما أدراك ما عصبية كتامة- أن يرأسهم الشيعي وبعده المهدي وهو غريب عنهم، كان من المفروض أن لا تعجب -كُتَّاب الشيعة- وخاصة المعاصرين نظرية ابن خلدون هذه في العصبية القبلية.

ومن هذا المنطلق الذي يثبت تناقض ابن خلدون بلسان ابن خلدون -الذي لم يكن أيديولوجيًّا بخصوص نسب عبيد الله كما يزعمون- لكن فاته أن يطبق نظرية ثلاثة أجيال في القرن فكيف يكون بين المهدي المتوفى سنة322 والمولود سنة260 وإسماعيل المتوفى سنة 138 ثلاثة فقط محمد المكتوم وجعفر ومحمد الحبيب؟ ثلاثة أجيال خلال 184سنة فهذا ليس فيه زيادة بواحد المحتمل ولا نقصان واحد المحتمل كما قال ابن خلدون بل ينبغي أن يكون بينهما خمسًا إلى ست، والسقوط زاد عن الواحد. فما رد من يعجبهم ابن خلدون ويولعون بنظرية ثلاثة أجيال رغم ما لها وما عليها. معاشو بووشمة كاتب وباحث في الأنساب.
 

يارب الموضوع يعجبكم

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق