الجمعة، 27 مايو 2016

الأمراء والحكام ونوع الحكومة الإسلامية

الأمراء والحكام ونوع الحكومة الإسلامية


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


( ننشر في هذا الباب ما يعرف به المسلمون أصل مدنيتهم
ومنشأ سعادتهم التي ذهبت بتركه )


( 1 ) قال صلى الله عليه وسلم : ( من استعمل عاملاً من المسلمين وهو يعلم
أن فيهم أولى بذلك منه ، وأعلم بكتاب الله وسنة نبيه ، فقد خان الله ورسوله وجميع المسلمين ) [1]

فهل أمراؤنا وعمالنا( في و قتنا الراهن حكامنا- أبو سليمان- )أعلمنا بالكتاب والسنة .

( 2 ) وقال صلى الله عليه وسلم : ( السمع والطاعة حق على المرء المسلم
فيما أحب أو كره ما لم يُؤمر بمعصية ، فإذا أُمر بمعصية فلا سمع عليه ولا
طاعة ) [2] ، أفلا يكفر أكثر المسلمين اليوم من يدعوهم إلى العمل بهذا الحديث المتفق عليه .

( 3 ) وقال صلى الله عليه وسلم : ( لا طاعة لأحد في معصية الله ؛ إنما
الطاعة في المعروف ) [3] .

( 4 ) وقال صلى الله عليه وسلم : ( من أرضى سلطانًا بما يُسْخِط ربه خرج
من دين الله ) [4] .

( 5 ) ( استقيموا لقريش ما استقاموا لكم ، فإن لم يستقيموا لكم ، فضعوا
سيوفكم على عواتقكم ، ثم أبيدوا خضراءهم ) [5]

أليست هذه سيطرة فعَّالة للأمةعلى الأمراء والحكام ، فمن أين جاءت السلطة المطلقة في الإسلام ؟

أليس ملوك المسلمين أولى بأن يعاهدوا الأمة عند المبايعة على تحكيمها في
دمائهم إذا خالفوا شريعتها من ملوك الإنكليز الذين يبيحون لمجلس الأمة دماءهم إذا خالفوا قوانين البلاد وتقاليدها المتبعة ؟ بلى لأن المسلمين ملزمين بالعمل بالشريعة وتقييد السلطة للدين والدنيا معًا بخلاف أولئك .

( 6 ) وقال صلى الله عليه وسلم : ( اسمعوا هل سمعتم ؟ سيكون بعدي
أمراء - في غير هذه الرواية هنا زيادة : يكذبون ويظلمون - فمن دخل عليهم
فصدقهم بكذبهم وأعانهم على ظلمهم فليس مني ولست منه ، وليس بوارد على
الحوض ، ومن لم يدخل عليهم ولم يعنهم على ظلمهم ولم يصدقهم بكذبهم فهو مني وأنا منه وهو وارد على الحوض ) [6] .

( 7 ) وقال صلى الله عليه وسلم : ( سيكون عليكم أئمة يملكون أرزاقكم
يحدِّثونكم فيكذِّبونكم ، ويعملون فيسيئون العمل ، لا يرضون منكم حتى تحسنوا
قبيحهم ، وتصدقوا كذبهم ، فاعطوهم الحق ما رضوا به ، فإذا تجاوزوا فمن قُتل على ذلك فهو شهيد ) [7]

فانظروا كيف حكَّم الأمة بالأئمة والأمراء ، وجعلها هي المعطية وهي المانعة ، وأمرها بالخروج عليهم إذا لم يرضوا بالحق ، وعَدَّ المقتول في هذا السبيل شهيدًا ، فهل يقول أحد بعد أن نوع الحكومة في الإسلام غير معروف ؟ ألا يجب تربية الأمة على الاستقلال لتقيم به هذه الركن .

-*-*-*

آثار السلف عبرة للخلف

الخطبة الأولى للخليفة الأول رضي الله عنه

لما بويع أبو بكر - رضي الله عنه - صعد المنبر فنزل مرقاة من مقعد النبي
صلى الله عليه وسلم ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : ( أما بعد أيها الناس فقد وليت عليكم ولست بخيركم لوددت أن قد كفاني هذا الأمرَ أحدُكم .
اعلموا أيها الناس أن أكيس الكيس التُّقى ، وأن أحمق الحمق الفجور ، إلا أن
الصدق عندي الأمانة ، والكذب الخيانة ، وأن أقواكم عندي الضعيف حتى آخذ له بحقه ، وأن أضعفكم عندي القوي حتى آخذ الحق منه ؛ إنما أنا متبع ولست بمبتدع فإن أحسنت فأعينوني وإن زغت فقوِّموني ، وحاسبوا أنفسكم قبل أن تُحاسبوا ، ولا يدع قوم الجهاد إلا ضربهم الله بالفقر ، ولا ظهرت الفاحشة في قوم إلا عمُّهم الله بالبلاء ، فأطيعوني ما أطعت الله فإذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم ، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم . وفي رواية : قوموا إلى صلاتكم[8] ) .

قوله رضي الله عنه ( وإن زغت فقوِّموني ) قد اقتدى به عمر بن الخطاب
رضي الله عنه من بعده في عبارته المشهورة ( من رأى منكم في عوجًا فليقوِّمه ) و عثمان رضي الله عنه في قوله ( أمري لأمركم تبع ) وقد روي عنهم مثل هذا كثيرًا وكان يوعظون قولاً وكتابة فيحمدون من يعظهم ويأمرهم بالخير ، على هذا بُنيت الخلافة الإسلامية ، فهدم ركنها بنو أمية وحاولوا جعل السلطة مطلقة أو استبدادية ، وساعدهم مَن بعدهم على ذلك بالتدريج ، وساعد الملوك بعض الفقهاء فجعل لهم من السلطة والتصرف المطلق ما لم يجعله لهم الدين ، وكان أول من جاهر بالمنع من نصيحة الملك أو الخليفة جهرًا عبد الملك بن مروان فقد قال على المنبر : ( من قال لي اتق الله ضربت عنقه ) فضعف بهذا أمر الشورى ، وبطلت سيطرة الأمة على أمرائها فاستبدوا وجعلوا بأس الأمة بينها شديدًا ، وحارب بعضهم بعضًا لأجل الفتوح والغلب وإزالة سلطة وإدالة أخرى منها حتى حَلَّ بالمسلمين ما هم فيه من البلاء المبين .

-*-*-*

الخطبة الأولى للخليفة الثاني رضي الله عنه

عن سعيد بن المسيب قال : لما وُلِّي عمر بن الخطاب خطب الناس على منبر
رسول الله صلى الله عليه وسلم فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : ( أيها الناس إني علمت أنكم كنتم تؤنسون مني شدة وغلظة ، وذلك أني كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وكنت عبده[9]وخادمه ، وكان كما قال الله تعالى : ? بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ ? ( التوبة : 128 ) ، فكنت بين يديه كالسيف المسلول إلا أن يغمدني أو ينهاني عن أمر فأكف ، وإلا أقدمت على الناس لمكان لينه ، فلم أزل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك حتى توفاه الله وهو عني راض ، والحمد لله على ذلك وأنا به أسعد ، ثم قمت ذلك المقام مع أبي بكر خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان كما قد علمتم في كرمه ودَعَته ولينه ، فكنت خادمه كالسيف بين يديه أخلط شدتي بلينه إلا أن يتقدم إلي فأكف وإلا أقدمت ، فلم أزل على ذلك حتى توفاه الله وهو عني راضٍ والحمد لله على ذلك كثيرًا وأنا به أسعد .

ثم صار أمركم إليّ اليوم وأنا أعلم ، فسيقول قائل كان يشتد علينا والأمر إلى غيره ، فكيف به إذا صار إليه ، واعلموا أنكم لا تسألون عني أحدًا فقد عرفتموني وجربتموني وعرفتم من سنة نبيكم ما عرفت ، وما أصبحت نادمًا على شيء أكون أحب أن أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه إلا وقد سألته ، فاعلموا أن شدتي التي كنتم ترون قد ازدادت أضعافًا إذا صار الأمر إليّ على الظالم والمعتدي ، والأخذ للمسلمين لضعيفهم من قويهم ، وإني بعد شدتي تلك واضع خدي بالأرض لأهل العفاف والكف منكم والتسليم ، وإني لا آبى إن كان بيني وبين أحد منكم شيء من أحكامكم أن أمشي معه إلى من أحببتم منكم ، فلينظر بيني وبينه أحد منكم ، فاتقوا الله وأعينوني على أنفسكم بكفها عني ، وأعينوني على نفسي بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وإحضاري النصيحة فيما ولاني الله من أمركم . ثم نزل ) [10] .

وعن الحسن قال : إن أول خطبة خطبها عمر حمد الله وأثنى عليه ثم قال :
( أما بعد فقد ابتليت بكم وابتليتم بي ، وخلفت فيكم بعد صاحبي فمن كان بحضرتنا باشرناه بأنفسنا ، ومهما غاب عنا وليناه أهل القوة والأمانة فمن يحسن نزده حسنًا ، ومن يسئ نعاقبه ، ويغفر الله لنا ولكم ) [11] .



فانظر كيف وطَّن نفسه على قبول تحكيم من يريدون منهم إذا كان لأحد عليه
حق ، وكيف وطنها على قبول الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فإذا وفق الله
أمراءنا وحكامنا للاهتداء بهديهم والسير على سنتهم ؛ فإن الدين يعتز بالخلف كمااعتز بالسلف ، ونكون من المفلحين ، وظاهر أن هذين الخليفتين العادلين ما سارا هذه السيرة من أنفسهما ؛ وإنما تعلماها من النبي صلى الله عليه وسلم ، ومن أدلة ذلك الأحاديث السابقة ومثلها كثير .




يتبع بمقال تالٍ .........
________________________
(1) رواه مسلم و أبو داود عن ابن عباس .
(2) رواه أحمد والشيخان وأصحاب السنن الأربعة عن ابن عمر .
(3) رواه الشيخان وأبو داود والنسائي عن علي .
(4) الطبراني و الحاكم عن عبادة بن الصامت .
(5) رواه الإمام أحمد عن ثوبان .
(6) رواه الترمذي وصححه والنسائي و ابن حبان عن كعب بن عجرة ورواه غيرهم عنه وعن غيره .
(7) رواه الطبراني عن أبي سلالة وله طرق أخرى .
(8) ملخص من رواية البيهقي عن الحسن وابن إسحاق عن أنس بإسناد قال ابن كثير إنه صحيح ،
والدينوري عن عبد الله بن عكيم ، وفي بعض ألفاظها اختلاف .
(9) وقع في هذه الرواية لفظ ( عبد ) وهو لم يُعهد منهم ، وإن كان مفسرًا بالخادم ، فعله حُكي
بالمعنى .
(10) رواه أبو حسين بن بشران في فوائده ، وأبو أحمد الدهقان في الثاني من حديثه ، والحاكم
واللالكائي .
(11) رواه ابن سعد والبيهقي ، ولعل كل راوٍ ذكر من الخطية شيئًا مما حفظه بمناسبة اقتضت ذلك .

(( مجلة المنار ـ المجلد [‌ 4 ] الجزء [‌ 19 ] صــ ‌ 732 ‌ غرة رمضان 1319 ـ 12 ديسمبر 1901 ))
 

يارب الموضوع يعجبكم


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق