الثلاثاء، 26 يوليو 2016

الحروب التي خاضتها قرطاج من وجهة نظر دفاعية

الحروب التي خاضتها قرطاج من وجهة نظر دفاعية


الحروب الصقلية

الحرب الصقلية الأولى:

كان هدف معظم المدن اليونانية هدف قرطاج نفسه - السيطرة على التجارة في البحر الأبيض المتوسط. ولهذا أصبحت بينهما عداوة دائمة. وكلاهما بدأ باستعمار جزيرة صقلية منذ زمن، ولما رأت قرطاج أن جيلون، دكتاتور مدينة سيراكوزا، كان يحاول توحيد المدن اليونانية في صقلية، قررت محاربته في عام 480 قبل الميلاد. فأرسلت جيشا كبيرا بقيادة أميلكارر، ولكن الكثير من الجيش غرق مع سفنه، فهزم في هيميرا قرب باليرمو، وعليه انتحر هملقار وتحولت حكومة قرطاج من أرستقراطية إلى جمهورية.
الحرب الصقلية الثانية:

بعد أقل من سبعين عام رجعت قرطاج إلى قوتها الأصلية. أنشأت مدن كثيرة في شمال تونس. ففي عام 409 ق م ذهب حنبعل ماجو حفيد حملقار ليحارب ضد مدن صقلية اليونانية وفتح مدن سلينونتي وهيمبرا. كلها، وخاصة المدينة الأقوى سيراكوزا، لكن دخل الطاعون في جيشه، فماتوا الكثير ومنهم حنبعل ماجو. استنمر القائد حملكو الحرب، واحتل مدينة جيلا، لكن أثر الطاعون عليهم كثير فاتفقوا مع ديونيزيوس ديكتاتور سيراكوزا رجعوا.
بعد قلبل - في عام 398 ق م - رفض ديونيزيوس اتفاقهم وهاجم على المدينة القرطاجية موتيا في صقلية، فدافع عليها القائد حملكو وبعد نجاحه احتل المدينة اليونانية مسينا أيضا. أخيرا هاجم على سيراكوزا طول عام 397، لكن عاد الطاعون في 396 فهربوا.
بعد ذالك حاربوا مرات عديدة طول 60 سنة، وانتهت الحروب في 340 ق م بتقسيم الجزيرة بين قرطاج في الجنوب الغربي والمدن اليونانية على الشواطئ الأخرى.
الحرب الصقلية الثالثة:

في عام 315 ق م أخذ اغاثوقليس (دكتاتور سيراكوزا) مدينة مسينا، ثم رفض اتفاق السلام بينه وبين قرطاج وهاجم على الجزء القرطاجي لصقلية، وأيضا مدينة اكراغاس. فأرسلت قرطاج حملقار حفيد حنى الطيار ليحاربهم، وكان نجاح عظيم، ففي عام 310 ق م كان يحكم تقريبا كل الجزيرة وكان جيشه حول سيراكوزا نفسها. لكن اغاثوقليس ذهب سرا مع جيش 14000 جندي ليهاجم عن قرطاج نفسها، فدعى مجلس قرطاج حملقار ليعد ويدافع المدينة. فربحت قرطاج جزء كبير من صقلية، لكن حتى بعد نصره على جيش اغاثوقليس لم يقدر على سيراكوزا.
حروب بيروس الأبيري:

كان بيروس الأبيري ملك يوناني في البانيا دعته المدن اليونانية في جنوب ايطاليا وصقلية ليحكمهم ويدافع عنهم، فبين الأعوام 280 و 275 ق م، حارب عدويه اللدودين روما وقرطاج. خسر في حروبه، فرجعت صقلية إلى ما كانت وحكمت روما كل جنوب ايطاليا، فقربت إلى قرطاج للمرة الأولى.
الحروب البونيقية الرومانية

الحرب البونية الأولى : 264 - 241 ق م

لما مات الطاغية اليوناني اغاثوقليس عام 288 ق م، كان الأجراء الإيطاليون في جيشه قد فقدوا خدمتهم، فغضبوا وحكموا مدينة مسينا اليونانية في صقلية وسموا أنفسهم "ماميرتين" يعني "تابعي اله الحرب" وأخذوا يحاربون على كل مدن صقلية. فبعدما أصبح هييرون الثاني طاغية سيراكوزا في عام 265 ق م هجم عليهم، فأرسل الماميرتين سفير إلى روما ليطلب عونهم، وسفير ثان إلى قرطاج. وأجابت قرطاج وأرسلت جيشا إلى مدينة مسينا اليونانية ومجلس أعيان روما لم يزل يبحث عن مخرج . لكن بعد فترة اتفق القرطاجيون مع سيراكوزا، فطلب الماميرتين عون روما ليخرجوا جيش قرطاج. قبل الرومان الطلب المامرتيني لأن روما لم تقبل كون دولة قوية مثل قرطاج في مسينا لأنها قريبة جدا إلى جنوب إيطاليا (اليونان الكبرى التي أصبحت تحت السيطرة الرومانية)، فقرروا أن يبعثوا بجيش لتأييد الماميرتين، وبدأت الحرب البونيقية الأولى.
لم يربح الجيش الروماني الأول المعركة، لكن في عام 263 ق م، بعثت روما جيشا ثان يقدر ب 40,000 ألف مقاتل ، لترهيب و تخويف هييرون الثاني طاغية سيراكوزا ، الذي سرعان ما نقض تحالفه مع قرطاج و تحالف مع الرومان وعقد معهم معاهدة عدم إعتداء لمدة 15 سنة. أخذ الرومان يعدون لمهاجمة قرطاج نفسها إنطلاقا من جزيرة صقلية حيث ثبتوا أقدامهم. فتمكنوا من إعداد أسطول كبير تألف من 250 سفينة حربية، فضلا عن 80 سفينة نقل . ولما علمت قرطاج بالأمر أخذت هي الأخرى بالاستعداد و إن كان أسطولها الباقي أقل من الروماني بقليل.
في سنة 256 ق.م بعد أبحار الرومان نحو قرطاج التقى الأسطول الروماني بالأسطول القرطاجي عند رأس أقنوموس جنوب صقلية حيث أشتبكا و انتهت المعركة بهزيمة القرطاجيين ، تابع بعدها الاسطول الروماني ابحاره بقيادة القنصل مرقس اتيليوس رجولوس و نزل على الشاطىء الأفريقي حيث أنزل عدة هزائم متتابعة بالقرطاجيين مكنته من التوغل بعيدا عن الشاطىء لقضاء فصل الشتاء في مكان قريب من قرطاج مما جعل الأخيرة تطلب الصلح منه . عرض القنصل الروماني مرقس شروطا قاسية على قرطاج فرفضتها ثم أخذت تستعد للقتال في نهاية الشتاء باستقدام فرقة من المرتزقة المشهود لهم في القتال و التدريب و على رأسهم قائد إسبارطي محترف هو زانتيبوس الذي عمل على فوره على تدريب الجيش القرطاجي وفقا لأفضل الأساليب القتالية الإغريقية.
وفي ربيع عام 255 ق.م بعد ان أنهى الجيش القرطاجي تدريباته ، أشتبك مع الجيش الروماني الذي هزم و أسر قائده القنصل مرقس . ولكن الأسطول القرطاجي تصدى للأسطول الروماني الذي كان قادما بتعزيزات لمرقس قد مني بخسارة فادحة شلت قدرة قرطاج البحرية لمدة 5 أعوام التالية. وكان الأسطول الروماني وصل بعد أنتهاء المعركة البرية فأنقذ فلول جيشه تجاه شاطىء صقلية الجنوبي و لكن تحطمت أكثر من 250 سفينة– من بينها 100 سفينة قرطاجية كان الرومان قد اغتنموها فلم يتبق من الأسطول الروماني الناجي سوى أكثر من 100 سفينة فقط.
أعاد الرومان بسرعة كبيرة بناء أسطولهم الذي دمرت معظمه الأنواء و ركزوا هجومهم على القواعد القرطاجية في غرب صقلية . فسقطت مدينة بانورموس (باليرمو) في أيدي الرومان عام 254 ق.م لتتوقف الحرب بين الطرفين لمدة سنتين فقد أشتعلت الحرب بين قرطاجة و نوميديا في شمال أفريقيا عام 253 ق.م. في سنة 250 ق.م حاولت قرطاج إستعادة بانورموس و لكنها منيت بالفشل مما شجع الرومان في العام التالي على مهاجمة مدينة ليلوبايوم و محاصرتها برا وبحرا. إلا أن القرطاجيين تمكنوا من هزيمة الرومان برا و بحرا هذه المرة و أستعادوا سيادتهم البحرية مؤقتا. ووصل إلى صقلية في عام 247 ق.م القائد القرطاجي حملقارت برقا الذي اسندت إليه القيادة القوات القرطاجية في صقلية يعاونه القائدان أذربعل و قرتالو الذان كانا يقومان بتخريب سواحل إيطاليا . كما كان حملقارت يشن حرب عصابات أقضت مضاجع الرومان و أوقعتهم في مأزق مالي بسبب الخسائر و ازدياد النفقات و استولى حملقارت على موقعين منيغين هما جبل هرقيتي قرب بانورموس و جبل إيريكس قرب دربانا و أإتخذ منهما قاعدتين لشن الغارات على القوات الرومانية.
كاد القرطاجيون أن يححقوا نصرا حاسما في صقلية لولا قرارها المبهم في إستدعاء أسطولها من صقلية لتجمع قواتها للتحكم في مناطق شمال أفريقيا الداخلية جنوب غرب قرطاجة بسبب الحرب مع نوميديا.
أستغل الرومان الفرصة فأعادوا بناء أسطولهم حيث أنزلوا 200 سفينة إلى البحر بقيادة القنصل لوتاتيوس كاتولوس ليضيق الحصار حول مدينتي دربانا و ليلوبايوم القلعتين القرطاجيتين. عجزت قرطاج عن إعداد أسطول لإنقاذ هاتين القلعتين . ولم تستطع سوى إرسال حملة بحرية هزمها الرومان قرب دربانا في ربيع 241 ق.م أضطر القرطاجيون إلى قبول الصلح مع الرومان في معاهدة(قاتولوس) أو معاهدة سنة 241 ق م .
حرب الأجراء:

خسر القرطاجيون مالا كثير للرومان كجزء من اتفاقهم، فلم يكن لهم مال لقبض أجرائهم، ففضبوا وبدأوا حربا ضد قرطاج بعون نوميديا في عام 241 ق م. كان قائدا الأجراء ماثوس اللوبي وسبينديوس العبد الروماني، ويقال أنهم رجموا كل من تكلم عن هدنة، ولهذا أيضا تسمى "حرب لا هدنة". وبعد سنين ربح القائد القرطاجي العظيم حملقار برقة بجند 10000 مواطني قرطاج (وكان معظم الجيش القرطاجي قبل ذالك أجراء وليس مواطنين). وبعد نصره أصبح حملقار برقة على رأس قرطاج متجها إلى شبه الجزيرة الإبرية.
احتلال إسبانيا أو شبه الجزيرة الإبرية:

في عام 236 ق م هاجم حملقار برقة على اسبانيا، وحارب هناك حتى موته في القتال في عام 228. وبعده قاد جيشه عزربعل، وكان أميلكار برقة قبل موته في 228 ق م قد فتح اسبانيا حتى نهر الايبرو واتفق مع روما ألا يعبر ذلك النهر. وبعده أصبح قائد الجيش حنبعل ابن أميلكار برقة المشهور. كان حنبعل يكره الرومان وظن أنه على قرطاج أن تحتل روما وإلا فستفشل بالكامل. وفي عام 219 هاجم على ساغونتوم، مدينة مستقلة وراء نهر الايبرو، وكذالك رفض اتفاق عزربعل، فبدأ الحرب البونيقية الثانية.
الحرب البونية الثانية: 218-201 ق م

بعد ما عبر إبيريا وجبال البيريني الوعرة سار حنبعل وجيشه بسرعة، وعبروا جبال الألب في 218 ق م. لما وصلوا إلى روما دخل في جيشهم كثير من الأجراء والحلفاء من قبيلة الگول وهزم الجيوش الرومانية في المنطقة بسهولة، ولما رأوا هذا حالفه الكثير من مدن ايطاليا ومنهم سيراكوزا. في نفس الوقت كان جيش روماني يحارب في اسبانيا. وقرب إلى روما حتى وصل إلى ميناء كابوا في 211 ق م، لكن بعد موت أخيه عزربعل في عام 207 رجع إلى مدينة بروتيوم في جنوب ايطاليا. وأخيرا حالف الرومان الملك النوميدي ماسينيسا وأرسلوا جيشاً ليهجم على افريقيا نفسها،وقد نجحت روما في هزم قرطاج وأجبرتها على امضاء معاهدة سلم ، ومنعتها من أي حرب - حتى ولو كانت دفاعا عن نفسها - إلا بإذن روما.

إندلعت هذه الحرب بعد فترة من السلم دامت 23 سنة وقد تواصلت على مدى 17 سنة واقترنت ببطولات حنبعل ومن أسبابها العميقة تخوفات روما من القوة القرطاجية التي نمت بشبه الجزيرة الإبرية وقد كانت روما مهتمة إلى أبعد الحدود بتطور الأوضاع بهذه المنطقة وقد أرسل السيناتوس أي مجلس الشيوخ الروماني سنة 231 ق م بعثة كلفت بالتعرف على أهداف عبد ملقرط البرقي من إحتلال شبه الجزيرة الإبرية كما إزدادت تخوفاتها بعد سنة 228 ق م . بعد تأسيس مدينة قرطاجنة كعاصمة ثانية بالمنطقة أبرمت روما سنة 226 ق م معاهدة مع عزربعل قائد الجيش القرطاجي تقضي بأن لا يتجاوز الجيش القرطاجي نهر الإبيروس الواقع شمال الأراضي القرطاجية بإبيريا أما قرطاج فقد كانت تخطط لإستعادة مكانتها بالحوض الغربي للمتوسط وقد بينت الأحداث التي تلت معاهدة 226 ق م أن القائد الجديد للجيش القرطاجي حنبعل كان حريصا على استعادة مجد قرطاج بفضل إستغلال ثروات شبه الجزيرة الإبرية حيث أنهى الدفعات المالية الباهضة التي فرضتها روما على قرطاج في المعاهدة الأولى بين سنتي 241 و 237 ق م .

تعتبر حادثة صاغنتوم السبب المباشر الذي أشعل الحرب بين الجانبين حيث هاجم حنبعل سنة 219 ق م مدينة صاغنتوم الواقعة جنوب نهر الإبيروس وقد رأت روما في ذلك خرقا لبنود معاهدة سنة 241 ق م أبرزها عدم مهاجمة قرطاج لحلفاء روما بإعتبار أن المدينة من حلفائها وأشهرت الحرب ضد قرطاج وأعلمت قادة قرطاج سنة 218 ق م بقرارها .

أطوار الحرب الثانية : من إنتصارات حنبعل بروما إلى الهزيمة في واقعة زاما بقرطاج

إشتملت هذه الحرب على 3 مراحل كبرى تميزت اولا بإنتصارات حنبعل على الأراضي الرومانية ثم بإنهزامه في واقعة زاما

حنبعل يخطط للحرب و يكسب انتصارات كبرى في بدايتها : انطلق من مخطط حنبعل واختياره للطريق البرية لمهاجمة روما من الشمال في أراضيها انطلاقا من المقاطعة القرطاجية بشبه الجزيرة الإبرية وذلك لاعتقاده أن ميزان القوى في المجال البحري لم يكن لصالح قرطاج في حين أن القوات البرية المتكونة من الفرسان والمشاة والفيلة أظهرت فاعليتها في عدة مناسبات حربية حيث تصدت لحملات روما على الأراضي القرطاجية في الحرب الأولى والقضاء على انتفاضة المرتزقة واحتلال شبه الجزيرة الإبرية . استغل حنبعل عنصر المباغتة واستمال قبائل بلاد الغال بفرنسا التي كان بعضها معاديا لروما كما كان ينوي الى عزل روما عن حلفائها في وسط ايطاليا وجنوبها .

انتصارات حنبعل من 218 الى 212 ق م : بعد عبور جبال البيريني ونهر الون وجبال الآلب تمكن حنبعل من كسب إنتصارات كبرى ضد الجيش الروماني الذي حاول اعتراضه فكانت أولى الانتصارات في معركتي تسنوس وتربيا ثم انتصار معركة بحيرة ترازمنوس بعد سنة حيث تمكنت الجيوش القرطاجية من محق فيلقين من الجنود الرومانيين وبعد سنة حقق الجيش القرطاجي انتصارا جديدا في معركة كانيئ . لم تكن الخسائر القرطاجية كبيرة في هذه المعارك مقارنة بخسائر روما رغم تفوقها العددي والى جانب هذه الإنتصارات اتخذ حنبعل بداية من 216 ق م مبادرا سياسية ترمي الى عزل روما حيث نجح في كسب ولاء عدة مدن واقعة بوسط وجنوب إيطاليا مثل كبوا و طرنطوم كما نجح في استمالة مدينة سرقوسة وأبرم سنة 215 ق م حلفا مع الملك المقدوني فليبوس .

بين سنتي 212 و 206 ق م قلبت روما ميزان القوى لفائدتها حيث اختارت بعد هزائمها التكررة طريقة جديدة لمواجهة جيش حنبعل وذلك بمنع وصول المدد العسكري القادم من شبه الجزيرة الابرية ومحاصرة جيشه في جنوب ايطاليا والاكتفاء باستعادة ماأمكن من أراضي ومدن فتم إخضاع مدينة كبوا سنة 211 ق م وسرقوسة سنة 212 ق م . إضافة الى تحويل ساحة القتال الى شبه الجزيرة الإبرية فبداية من سنة 216 ق م تمكن الرومان من كسب ولاء عدة قبائل شمال شبه الجزيرة الإبرية ووسطها فتقلص بذلك النفوذ القرطاجي الذي إقتصر على الشريط الساحلي الجنوبي والشرقي وقد تمكنت من عزل جيش حنبعل وقطع الإمداد البحري الإغريقي والقرطاجي عن جيش حنبعل خاصة بعد ما نجح القائد الروماني ببليوس سقيبيو سنة 209 ق م في إحتلال مدينة قرطاجة عاصمة المقاطعة القرطاجية بشبه الجزيرة الإيبرية وبعد التصدي للجيش القرطاجي بقيادة عزربعل أخ حنبعل وهو بصدد ايصال المدد إلى أخيه تم القضاء نهائيا على الحضور القرطاجي بشبه الجزيرة الإبرية سنة 206 ق م .

نهاية الحرب بعد نزول الجيش الروماني بإفريقيا ومعركة زاما بين 204 و 202 ق م حيث أنه في سنة 204 ق م وافق السيناتوس الروماني على تحويل الحرب الى الأراضي القرطاجية بإفريقيا وأوكل المهمة إلى القائد بيبلوس سقيبيو والي صقلية الذي جهز جيشا كبيرا أرسى به قرب مدينة أوتيكا خلال صيف 204 ق م وقد تمكن من كسب انتصارات منها هزم جيش الملك النوميدي سيفاكس حليف قرطاج وتعويضه بداية من سنة 203 ق م بمسينسان على عرش مملكة نوميديا بعد اتفاق بينهما . وإلحاق هزائم بالجيش القرطاجي مما أجبر حنبعل عل العودة من إيطاليا الى افريقيا ومواجهة التحالف بين الطرفين النوميدي والروماني وقد أرسى حنبعل بجيشه في مدينة هدرمتوم (سوسة ) ثم تقابل الجيشان قرب مدينة جاما حيث انهزم حنبعل واضطرت قرطاج الى امضاء معاهدة صلح ثانية سنة 201 ق م قضت على القوة القرطاجية حيث تخلت عن جيشها وفيلتها واسطولها وأراضيها بشبه الجزيرة الابرية والالتزام بعدم دخول أي حرب الا بعد موافقة روما ومنح ماسينيسا حق استرجاع الأراضي النوميدية الخاضعة لقرطاج .

حرب ماسينيسا : في سنة 195 ق م، بعد أن طرد الرومان حنبعل من قرطاج، أخذ ماسينيسا ملك نوميديا جزءا كبيرا من ما كان ملك قرطاج في افريقيا، من عنابة في الجزائر حتى لفقي في ليببا، وهو يعرف أنهم لا يستطيعون أن يدافعوا على أنفسهم إلا بإذن حليفه روما. في 160 أخذ المزيد من أراضي قرطاج، فبعثت قرطاج سفير إلى روما لتطلب إذنهم الحرب، وأمر روما ماسينيسا أن يرد لقرطاج بعض المدن، لكن لم يكفي في رأي قرطاج، ففي عام 151 ق م، حاربوا ضد ماسينيسا وخسروا بسرعة. وكان فريق كبير في روما يريد تدمير قرطاج شامل - وأشهرهم مارقوس كاتون الذي زار قرطاج في عام 155 ق م وبعد زيارته كان يكمل كل خطاب له في المجلس بصرخة "Carthago delenda est" "علينا أن ندمر قرطاج" - فقالوا أن قرطاج نقضت الاتفاق وتم الهجوم والقضاء عليها.

حرب بونيقية ثالثة : 149 - 146 ق م
كانت روما تبحث عن الذرائع لتشن الحرب على قرطاج من جديد لكن حكام قرطاج بعد الحرب البونيقية الثانية (218-202 ق.م) كن همهم الحفاظ على السلام مع روما و الاهتمام بإنعاش الاقتصاد المتضرر من الحربين السابقتين . ولم يمض كثير من الوقت حتى غدت قرطاج ثاني أكبر مركز تجاري في غرب البحر المتوسط . كما أصبحت أرضها منتجة من جديد . مما جعلها تعرض على روما أن تدفع الأقساط الباقية جميعها دفعة واحدة ، وأن تتبرع لروما و في العام نفسه و في عدة مناسبات تالية بكميات كبيرة من القمح دون مقابل.
نظرت روما إلى نجاح ونهوض قرطاج من عثرتها بعدم الرضا و القلق الشديد الذي مرجعه الغيرة و الحسد من ناحية و الخوف من أن تعيد قرطاج بناء قوتها مما حذا بالسناتوس الروماني انتظار الفرصة المناسبة لتدمير قرطاج . كان ماسينيسا ملك نوميديا يطمع في أن يسيطر على أراضي قرطاجية كثيرة لذلك كان دائما يزرع الخوف عند الرومان من قدرات قرطاج . فكان يعتدي مرات كثيرة على ألأراضي القرطاجية فترفع قرطاج الأمر للرومان و لكنهم يقفون مع حليفهم الملك ماسنيسا . و حدث أن طلب ماسينيسا من قرطاج السماح له بدخول طرابلس بحجة ملاحقة ثائر فر إلى برقة وعندما رفضت هذا الطلب هاجم إقليم طرابلس و أحتل سهل الجفارة لكنه عجز عن الاستيلاء على مدن طرابلس الثلاث.
أرسلت روما سفارة إلى قرطاج بشأن الموضوع بقيادة كاتو الكبير فعاد إلى روما محرضا على شن الحرب على القرطاجيين بحجة تكديسهم للأخشاب في الميناء لبناء أسطولهم و أن الجيش الذي حاربوا به ماسينيسا هو نواة جيش الانتقام من روما.أرسلت روما بعثة أخرى إلى قرطاج طلبت من قرطاج تسليم مدن طرابلس الثلاث لماسينيسا مما أثار القرطاجيين و أشعل نار الغضب فيهم لدرجة أن البعثة فرت من قرطاج خوفا على حياتها. و أستمر كاتو في تحريضه ضد قرطاج حيث كان يقول في مجلس السيناتوس (يجب أن تدمر قرطاج، يجب أن تدمر قرطاج). وأنحاز الرومان لماسينيسا الذي تشجع على الخوض في شؤون قرطاج الداخلية فبين عامي 151-150 ق.م ظهرت الخلافات السياسية داخل قرطاج فطرد الحزب الموالي لماسينيسا من المدينة فطلب هذا الأخير بإعادة مواليه إليها الأمر الذي رفضته قرطاج فقامت الحرب بينهما و أنتهت بإنتصار ماسينيسا. قامت قرطاج بعد ذلك بإعدام القادة العسكريين و أرسلت شكوى إلى روما من تصرفات ماسينيسا لكن الرومان أستغلوا الفرصة. وفي عام 149 ق.م استسلمت أوتيكا للرومان فأعلنوا الحرب على قرطاج . في ذلك الوقت توجهت بعثة قرطاجية إلى روما تطلب الاستسلام دون شرط أو قيد كما أورد السيناتوس بأنه سيسمح ببقاء حرية القرطاجيين وقوانينهم و إقليمهم و ممتلكاتهم العامة و الخاصة شرط أن يسلموا ثلاثمائة من أبرز رجالهم كرهينة و أن يطيعوا الأوامر التي يصدرها القنصلان الرومانيان المتوجهان إلى أوتيكا. فوافق القرطاجيون على كل ذلك . و عند وصول القنصلين إلى أفريقيا كشفا هدف السيناتوس الحقيقي بأن طلبوا من القرطاجيين أن يخلوا مدينتهم و أن يبتعدوا عن الشاطئ لـ16 ميلا وكان ذلك الشرط المفاجئ المخادع بقصد تدمير إقتصاد قرطاج. لكن القرطاجيين لم يتخلوا عن مدينتهم و بدؤوا بالتحصن فيها إلى أن سقطت و أحرقت نهائيا ودمرت بعد حصار ثلاثة أعوام متتالية (149-146 ق.م).
كانت الحرب البونيقية الثالثة أسرع من الحروب التي كانت قبلها. أولا حاصر جنود روما قرطاج طول 3 سنين، وأخيرا نجحوا ودمروا قرطاج تدميرا شاملا. ذبحوا معظم المدنيين وباعوا الآخرين كعبيد، وحرقوا المدينة ودمروا جدرانها، ويقال أنهم حرثوا الأرض بالملح لكي لا ينمو فيها أي نبات أبدا ولا يسكنها أحد. وانتهت شهرة قرطاج وثبتت إمبراطورية روما.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق